منذ سنتين وبعد أيام من خطبتي وعودتي من الإجازة للعمل مرة أخرى، وأحسب العاملين في المجال الصحفي على أحد التيارات المستنيرة في مصر، وبعد التهاني والأماني استأذنت زميلة لي في سؤال “هو أنا ممكن أسألك ومن غير زعل.. هو خطيبك يوم الفرح هيبات فين؟”،
بكل عفوية جاوبتها “للأسف مفيش فلوس نعمل شهر عسل.. هنبات في شقتنا أو ممكن نسافر بعد كدة كام يوم أي مكان فيه بحر”، امتعض وجهها ويبدو أن إجابتي لم تقنعها وظنت أني أخاف الحسد على “شهر عسلي” المزمع قضائه في هاواي. نظراً لعملنا معاً أكثر من سنتين، كانت المساحة بيني وبينها تسمح بأن يستمر الحديث بعد أن انتبه الزملاء لنا، “يا بنتي افهميني.. أنا بتكلم عن أول ليلة.. عريسك هيبات فين”، ضحكت رغما عني “يعني هيطفش من أول ليلة.. هيبات في البيت.. إيه الأسئلة العجيبة دي..”، فردت بسرعة “بصراحة من الآخر أنا عارفة إن القسيس هو اللى بيبات مع العروسة أول يوم عشان عذراء وكدة..”، ربما كانت هذه أكثر لحظات حياتي اندهاشا فانفجرت في حالة ضحك هيسترية، بينما ظل زملائي في حالة صمت مطبق. “والنبي ما تزعلي يا كارول.. أنا معظم أصحابي في إسكندرية مسيحيين.. بس عمر ما جت لي الجرأة أسألهم”، جاوبتها بكل صراحة أني لم أغضب على الإطلاق ولكنها المرة الأولى التي أتعرض فيها لهذا السؤال، ومنبع دهشتي أنه صدر من صحفية تتميز برجاحة عقل أكثر من آخرين يكون الجهل سبب في تولد وتصديق مثل هذه الأفكار في أوساطهم. كانت المفاجأة أن كل زملائي عقبوا على دهشتي بأن هذا السؤال راودهم كثيراً وليست هذه الزميلة وحدها، ومنهم من تقبل الفكرة كما هي نظراً لأنها من طقوس وممارسات العقيدة المسيحية كما أخبروني، ومنهم من قرر تغليب المنطق والعقل ولكن ظل من حولهم يصدقون ويرددون مثل هذه الأفكار. أسئلة مشروعة على مدار العامين تجنبت الكتابة عن هذا الموقف، ولكن ظل سؤالها يلح في بالي، كيف ينظر من يصدقون هذه الأساطير للمسيحيين، هل يعتقدون حقاً أن العروسة تقضي ليلتها الأولى مع القسيس، بينما ينام زوجها قرير العين في منزل أسرته، ويأتي في الصباح لإعداد الإفطار لهما مثلا! كيف حضرت زميلتي عشرات الزيجات المسيحية وفي كل مرة تعود إلى منزلها وهي تتخيل أن صديقتها العروسة ستنتهي من الحفل التي تعقب الإكليل أو حتى دون حفل، ليأخذها والدها وزوجها “ذبيحة قربان” لرجل الدين تطبيقاً لنصوص مسيحية علي حد ظنها. أي دين شاذ ينص على هذا! أي أب مريض وزوج عديم الرجولة يسمحان بهذا! أي فتاة تقبل هذه الجريمة حتى ولو باسم الدين..! استطلاع رأي منذ فترة ومن المنصة ذاتها كتبت مقالاً عن حقيقة القبلات داخل الكنيسة، فتلقيت ردودا عدة وكان أبرزها “أيوة مش بتبوسوا بعض.. لكن العروسة بتنام مع القسيس”، فعاد الموضوع إلى ذهني مرة أخري، فقررت أن أرجع لوالدي وأسأله هل سمع من قبل عن مثل هذه الأفكار الغريبة، فجاوبني أنه لم يسمعها مطلقاً في شبابه أو من أبناء جيله، ولكنه سمعها لأول مرة في منتصف الثمانينات بعد حمى البترول والسفر للسعودية. قررت أن استطلع رأي من حولي قبل الكتابة فطرحت السؤال أولاً على أكبر عدد ممكن من زملائي وأصدقائي المسلمين وكانت النتيجة صادمة حقاً، الأصغر مني بعشر سنوات وأكثر، كلهم أكدوا تداولهم لهذه الفكرة ويشعرون بفضول شديد حول حقيقة هذه الطقوس المخيفة، من كانوا في مثل عمري وأكبر قليلا منهم من لم يسمع إطلاقاً بهذا الكلام، ومن سمع به لم يكن يعرفه منذ الصغر وإنما منذ سنوات قليلة، ومن هم في عمر والدي أو أقل بقليل سمعوا بها مؤخراً أيضاً كحال والدي. في حال أصدقائي ومعارفي المسيحيين انقسموا لقسمين فقط، إما من يعرف نظراً لأنه اشتبك في مشاجرات دامية بسبب هذا السؤال، أو من لم يسمع إطلاقاً بمثل هذا الكلام وسبب سؤالي هذا صدمة حقيقية لهم، وبناء على هذه النتيجة والحوارات التي استمعت لها شعرت أني مستعدة للكتابة لتوضيح حقيقة هذه الفكرة السقيمة التي تشوه بالتأكيد نظره المسلم للمسيحي. عقوبة الزنا في المسيحية جاءت ما تُعرف بـ “الأديان السماوية” بالذات بعد شوط كبير من الحضارة الإنسانية، ارتقى فيها الإنسان بذاته وقيمه وأخلاقه دون عقيدة سماوية، ومن قبل الحضارات كانت فطرة الإنسان قابلة لفرز الطيب والخبيث من الممارسات، ومنها الرجولة والنخوة أو حتى في أسوأ الظروف كان الامتلاك جزءًا من طبيعة الإنسان فلا يقبل أن يقاسمه أحد ممتلكاته، ولا يتقبل العقل تقديم الرجل لزوجته لرجل آخر ولو باسم الدين، حتى في معشر الحيوانات يذود الذكر عن وليفته ولا يقدمها هبة لذكور آخرين. ربما شهدت بعض مما تُعرف بـ “الأديان الوضعية” كما يلقبها البعض ممارسات مشابهه في المعابد مثل تقديم العذارى للكاهن، أو ندر الفتيات لأنفسهن للخدمة في المعبد، وغيرها، إلا أن العقيدة المسيحية تنص صراحة على تحريم الزنا فقال المسيح “قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزنِ، وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه”، إنجيل متي إصحاح 4. وفي رسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس الإصحاح السادس يقول “لا تضلوا: لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون، ولا مضاجعو ذكور، ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله”، وتابع يؤكد “اهربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده، الجسد ليس للزنا بل للرب والرب للجسد، ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح، أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية”. إن كانت المسيحية تُحرم النظرة وتقول صراحة عن اشتهاء الرجل لامرأة زنا، وتُغلق “أبواب السماء” في وجه الزناة، أيُعقل أن تسمح به لرجل الدين..؟ المسؤولية الأديرة وما تخفيه من أسلحة، حيث يمارس الرهبان اللواط سوياً، والراهبات يضاجعن القساوسة، وغيرها من الأساطير التي روجها كثير ممن يلقبون أنفسهم بـ “الدعاة” أبناء الوهابية وهم المسؤولون عن اعتناق الكثيرين لأفكارهم المريضة التي تشوه العلاقات بهذه التساؤلات المختلة وهي السبب الرئيسي في زيادة الاضطرابات بين المسيحيين والمسلمين في مصر بعد عصر الانفتاح وترويج شيوخ “البرميل النفطي” لهذه الخيالات المريضة. الأكثر سخرية هي استشهاد الكثيرون ممن يصدقون هذا العبث بالفيلم الأمريكي “القلب الشجاع..The Brave Heart” للمثل ميل جيبسون والذي يروي ممارسات الجيش الانجليزي أثناء احتلاله إسكتلندا ومنها أحقية السيد وهو قائد الجند في فض بكارة العذارى في الليلة الأولي من زواجهن، وحاول جيبسون حماية زوجته من هذا المصير فماتت بعد أن ذبحها السيد. ولا أعرف ما سر الربط بين هذا الفيلم وبين العقيدة المسيحية، ولكن يبدو أن عادة مروجي مثل هذه الأفكار الشاذة يستقون معلوماتهم عن الدين من “هوليوود” وأفلامها باعتبارها الناطق الرسمي للغرب المسيحي الكافر، ويعشقون ربط الخيال بالواقع ولم يستحي كثيرون منهم وهم يشيرون لأفلام وقصص غريبة تؤكد أفكارهم. لست أمام محكمة، ولا أشعر بالخجل أو أني مدانة أو متهمة بشيء، وكلماتي ليست معنية بالدفاع عن الدين، وإنما دفاع عن إنسانيتي وكرامتي ونخوة كل من هم في حياتي ويهمهم أمري، إن كان عدد لا بأس به من المقربين لي كان يراودهم هذا الهاجس بخصوص ليلة زفافي وخجلوا من أن يسألوني، فأنا أدعوهم لحضور زفافي وصلاة “الإكليل” في الكنيسة ويشاطروني البهجة دون أن تكدر صفوهم أفكار مغلوطة.
بقلم الصحفية : كارولين كامل